مختصون لـ ”اليوم“: التعليم الحديث يمنح الطلاب أدوات التفكير النقدي

يشهد التعليم في المملكة تحولات جوهرية تستند إلى ممارسات تربوية حديثة أثبتت فعاليتها في تعزيز الفهم العميق، وربط المعرفة بالعاطفة، ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.

هذه الممارسات لا تقتصر على إغناء التجربة الصفية بالأنشطة التفاعلية والقصص الملهمة فحسب، بل تمتد لتشمل استراتيجيات دقيقة مثل الاستراحات القصيرة التي تعيد شحن تركيز الطلاب، والتقنيات الحديثة التي تتيح تكييف التعليم بحسب احتياجاتهم.

مساحة آمنة

أجمع المختصون على أن نجاح العملية التعليمية يتحقق حين يصبح الصف الدراسي مساحة آمنة، متوازنة، وثرية بالخبرات التي تمنح الطلاب القدرة على الإبداع، والتفكير النقدي، وبناء شخصيات واثقة قادرة على مواجهة المستقبل.

أوضحت الدكتورة منى القحطاني، الخبيرة التربوية في تطوير التعليم، أن التعلم النشط يمثل مدخلًا أساسياً لتحريك عقول الطلاب عبر النقاشات الجماعية وحل المشكلات الواقعية، حيث أثبتت أبحاث Jensen «2020» أن الحوار والتجريب يضاعفان من فرص الفهم، فيما أشار Prince «2019» إلى أن العمل التعاوني يفتح مسارات جديدة للذاكرة ويجعل المعلومة أكثر رسوخًا.

شراكة مباشرة

أما الفهم العميق، فتراه يتحقق عندما يربط المعلم موضوع الدرس بتجارب واقعية يعيشها طلابه أو يقصّ عليهم قصة تلامس مشاعرهم، ليعقد بذلك شراكة مباشرة مع الذاكرة طويلة المدى، وهو ما بينته Immordino-Yang «2021» التي أكدت أن الدماغ يحتفظ بالمعلومة ذات المعنى والعاطفة أضعاف المعلومات المجردة.

كما أن استخدام الخرائط الذهنية أو الرسوم البيانية – كما أوضح Sousa «2017» – يمنح الطالب صورة بصرية يصعب أن ينساها.

وأشارت القحطاني إلى أن مراعاة الفروق الفردية ضرورة، لأن لكل طالب طريقة فريدة يستقبل بها المعرفة: أحدهم يتعلم بالنظر، وآخر بالاستماع، وثالث بالحركة.

تقنية حديثة

عندما ينوع المعلم استراتيجياته بين هذه الأساليب، فإنه يحتضن اختلافاتهم كما أوصى Howard-Jones «2018». والأجمل – على حد قولها – أن التقنية الحديثة اليوم تمكن المعلمين من تكييف التعليم لكل طالب بحسب مستواه، كما أشارت دراسات Fischer et al. «2020».

وفيما يتعلق ب التوازن بين النشاط والتركيز، أوضحت أن منح الطلاب بضع دقائق للاستراحة أو ممارسة حركة بسيطة داخل الصف، لا يعد إضاعة للوقت، بل هو إعادة شحن للدماغ وزيادة في القدرة على الاستيعاب. Merritt et al. «2021» أكدت أن فترات النشاط القصيرة تعزز الانتباه، فيما أوضحت Tokuhama-Espinosa «2019» أن تجزئة الدرس إلى مقاطع متنوعة يمنع الملل ويزيد الفاعلية.

قصة ملهمة

اختتمت القحطاني حديثها بالتأكيد على أهمية التعلم المرتبط بالعاطفة، مشيرة إلى أن اللحظة التي يبدأ فيها المعلم درسه بسؤال إنساني أو قصة ملهمة، فإنه يطرق باب العاطفة قبل أن يطرق باب المعرفة.

وهنا يتدخل الدماغ العاطفي ليجعل التعلم أعمق وأبقى، كما أكد Immordino-Yang & Damasio «2016». ومع وجود بيئة صفية آمنة وداعمة – كما يرى Cozolino «2017» – ينطلق الطالب ليشارك دون خوف، ويجرّب دون تردد، ويبدع بلا تقييد

دعم نفسي

فيما أكدت التربوية فاتن الشدوي أن نجاح العملية التعليمية يبدأ بخلق بيئة صفية آمنة يشعر فيها الطالب بالراحة والدعم النفسي.

وأوضحت أن ابتسامة المعلم في بداية اليوم أو سرد قصة قصيرة وملهمة قادرة على تحفيز الطالب وفتح آفاق جديدة للتفكير والإبداع.

وأضافت أن الاستراحات القصيرة بين الحصص والأنشطة الترفيهية البسيطة تُسهم في تجديد الحماس والحفاظ على التركيز، مشيرةً إلى أن التعليم الحقيقي هو الذي يوازن بين العقل والعاطفة ويمنح الطالب شعورًا بالانتماء والمتعة.

التعلم النشط

كما شددت الشدوي على أن الإدارة الصفية الفعّالة تمثل حجر الزاوية في نجاح العملية التعليمية، إذ تساعد المعلم على ضبط إيقاع الدرس وتنويع الأساليب، وتمنح الطالب فرصًا أوسع للتعلم النشط والمشاركة الإيجابية.

وأكدت أن وضوح القواعد الصفية يعزز الانضباط ويقلل من المشكلات السلوكية، وبناء الثقة بين الطالب والمعلم يجعل العملية التعليمية أكثر سلاسة وفاعلية.

وأشارت الشدوي إلى أن الطالب عندما يجد معلمًا يسانده ويستمع له، فإنه يشعر بالطمأنينة ويزداد دافعه للتعلم، مؤكدة أن بناء علاقة إنسانية متينة بين الطرفين هو أساس نجاح أي تجربة تعليمية معاصرة