الشيخ إبراهيم العنقري.. «رجل الدولة».. الوزير والمستشار و«حافظ الأسرار»

صدر مؤخراً كتاب «رجل دولة.. الشيخ إبراهيم العنقري»، ويتناول في «194» صفحة سيرة معالي الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن عبد العزيز العنقري – رحمه الله -، ومراحل توليه منصب وزير الإعلام ووزير الشؤون البلدية والقروية الأسبق، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية، والمستشار الخاص في الديوان الملكي
مكتب وزير المعارف
وتولي الشيخ العنقري مساعداً لمدير مكتب سمو وزير المعارف الأمير فهد بن عبد العزيز، «آنذاك» بالفترة « 1373 – 1380هـ « بمرحلة زمنية مهمة لتلك الوزارة؛ حيث كانت ناشئة، وكان المطلوب من سمو الوزير النهوض بالتعليم العام للبنين في مراحله الثلاث «الابتدائية، والمتوسطة والثانوية»،، وهذا بدوره لا يتأتى إلا من خلال جهاز إداري يساعد متخذ القرار في الوزارة على القيام بمهامه ويهيئ له الجو المناسب لإنجاح ذلك العمل.
مدير المراسم
عمل الشيخ إبراهيم العنقري مديراً للمراسم في وزارة الخارجية «1380 – 1382 «، وكان انتقاله بناء على طلب من وزير الخارجية الشيخ إبراهيم بن عبد الله السويل، لوزير المعارف، الشيخ عبد العزيز بن حسن آل الشيخ ، وأشار في خطابه إلى وزير الخارجية إلى أن العنقري: «كان مدة حياته الوظيفية مثال الخلق الكريم والعمل المنتج والإخلاص لعمله وبلده».
وانتقل الشيخ العنقري بخبراته الإدارية التي اكتسبها خلال عمله في وزارة المعارف، وتسلم
إدارة المراسم في وزارة الخارجية، حاملا معه خبراته في الإدارة، التي اكتسبها من خلال عمله في المجال التربوي والتعليمي. وهذه الخبرة – بلا شك – صقلت موهبته الإدارية والتنظيمية وعمقتها ، بحيث ازداد معرفة وثقافة وحاول توظيفها في فضاء وزارة الخارجية قائما على التنظيم الدقيق الواضح، عاملا على وضع كل قدراته الوظيفية والإدارية والتنظيمية في خدمة هذا العمل الجديد بمسؤولياته ومهامه .
عهد جديد
عين الملك سعود بن عبد العزيز، الأمير فهد بن عبد العزيز وزيراً للداخلية، في التشكيل الوزاري ، وقد عمل الأمير فهد في موقعه الجديد على نقل وزارة الداخلية إلى عهد جديد بتنظيم أجهزتها، وكانت أولى المهام التي واجهته هي اختيار الكفاءات التي تعينه على أداء مهمته، ويطمئن إلى إخلاصها وولائها وكانت الأوضاع المحلية والإقليمية تمر بمرحلة خطيرة وحساسة حيث كانت المملكة مستهدفة في أمن مجتمعها ونظامها السياسي.
وكان منصب وكيل وزارة الداخلية في تلك الفترة من المناصب المهمة التى تباشر مختلف القضايا الأمنية والإدارية في البلاد، فهو المسؤول الثاني بعد الوزير مباشرة.
ولما كان الشيخ العنقري من الشخصيات التي سبق للملك فهد التعامل معها ويعرف تمام المعرفة مدى إخلاصه وتفانيه في الأعمال الموكلة إليه، فقد كان هو الكفاءة المناسبة لهذا المنصب، بالفترة 1382 – 1390 ه، كان أن نقلت خدمات الشيخ العنقري من وزارة الخارجية إلى وزارة الداخلية.
وقد تلقى الشيخ العنقري خطاباً من الأمير فهد يقول فيه: الأخ إبراهيم العنقري؛ لقد طلب مني الأمير فيصل تعيينكم وكيلا لوزارة الداخلية، لذلك أرجو تنفيذ التوجيه الكريم.
الشؤون البلدية
واتسمت مرحلة الشيخ إبراهيم العنقري بوزارة الشؤون البلدية والقروية «1403 – 1410 هـ – 1983 – 1989م» مرحلة التوسّع غير المحدود في المشاريع البلدية والقروية، وشهدت المدن آنذاك نهضة تنموية في أعمال التخطيط والنظافة البيئية، والسفلتة، والرصف، والإنارة، والتشجير، وبدعم من الملك فهد، منح الشيخ العنقري صلاحيات واسعة أثمرت إيجابيا في كل قطاعات ومشاريع الوزارة التنموية.
فكر تنموي
وانطلق الشيخ العنقري في وزارة الشؤون البلدية مواكبا الفكر التنموي لقائد المسيرة «آنذاك»
الملك فهد في عملية التنمية وحدد اهدافها ومرتكزاتها، والتي شملت المنجزات الأساسية للتنمية والمدينة المنورة، والتوسعة الضخمة للحرمين الشريفين.
وزير الإعلام
في أوائل شهر رمضان من عام 1390 ه، أصدر الملك فيصل مرسوما بتعيين الشيخ إبراهيم العنقري وزيراً للإعلام، وهي الوزارة التي تأسست عام 1382 هـ، وكان أول وزير لها هو الشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان.
العمل والشؤون الاجتماعية
وفي 8/ 10 / 1395هـ، تم تعيين الشيخ العنقري وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية في التشكيل الحكومي الذي أقره الملك خالد بن عبد العزيز، خلفا لزميله وصديقه القديم الشيخ عبد الرحمن أبا الخيل الذي بدأ مسيرة تلك الوزارة، واستكمل الشيخ العنقري بكل طاقاته وإمكاناته قيام الوزارة بمهامها، فانتقى رجالاً ساعدوه في العمل من أجل تطويره، لتقديم أفضل الخدمات لرعاية شؤون المواطنين بجميع فئاتهم وشرائحهم.
مستشار خاص
قام الشيخ إبراهيم العنقري – خلال توليه مختلف المسؤوليات التي كلف بها – بالاضطلاع بمهامه في الإدارة أو الوزارة بكل الحرص والتفاني والإخلاص، فكان يعطي كل عمل ما يستحقه من
جهد وتعب وتفكير وتأمل، وهذا ما استوعب وقته كله، حتى إنه في بعض أعماله ومهامه كان يداوم نهاراً وقسماً كبيراً من الليل، إذ كانت الاجتماعات الهامة تعقد مساءً بعد أن يرتاح من مراجعات المواطنين وأصحاب المعاملات والحاجات.
وقد استمر على هذا المنوال فترة طويلة، استمرت حوالي 40 عاما، حتى استهلكت صحته وجسده وعمره، وأصبح في أمس الحاجة لقليل من الراحة، لعله يعوض بعض ما ينبغي في علاقته مع أسرته وأولاده الذين هم بأمس الحاجة إليه وإلى رعايته.
وفي أثناء وزارته للشؤون البلدية والقروية، شعر ببعض التعب والإرهاق من أعباء العمل المتواصل صحياً وجسدياً، فأرسل بتاريخ 16 / 2/ 1410 هـ خطاباً إلى الملك فهد جاء فيه:
الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود
حفظه الله وأدام عزَّه
التحية والإجلال.. وبعد
لقد تعودت طيلة حياتي أن أكون صادقاً معكم في كل أقوالي وأعمالي. وأحمد الله الذي أكر مني بأكثر مما كنت أتطلع إليه.. وذلك بفضل من الله.. ثم برعايتكم وثقتكم الغالية التي هي عندي أغلى من المال والولد.
ومن منطلق الصدق مع الله عالم السرائر، وخالق كل شيء ومدبره… ثم معكم ومع نفسي.. فإني أبادر بتقديم هذا الخطاب الذي أرفعه لكم على استحياء.. لأن الظروف الصحية الدقيقة التي أمر بها بسبب ضغوط العمل … تلح علي بأن أتقدم إلى مقامكم الكريم بهذا الالتماس الذي أرجو أن يجد منكم التفهم وتقدير ظروفي الصعبة التي أحس بأني – وبصدق – لا أستطيع معها أو بها أن أؤدي عملي على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، ثم يرضيكم ويرضي ضميري.
هذا الالتماس هو رجاء بأن تضيفوا على أفضالكم الكثيرة فضلاً آخر هو الموافقة الكريمة
على تغيير عملي إلى موقع آخر لا مشقة فيه أو إرهاق، وإذا تعذر ذلك فأرجو التفضل بإحالتي على التقاعد بعد هذه السنين الطوال التي قضيتها في خدمة الدولة -أعزها الله- .. والتشرف بالعمل معكم والمساهمة المتواضعة في أعمال ومسؤوليات أفخر – والله الحمد – بأني أديتها بإخلاص ونزاهة يد وضمير.
وليس هذا الخطاب مجال حديث عن النفس ولكنه رجاء من إنسان أحبك وأخلص لك ولوطنه… ويرجو أن يجد صداه الإيجابي، وأن يتحقق مطلبه في جو وروح من السماحة والرضا.
وفي الختام فإن لساني وقلمي ليعجزان وأنا أخاطب فيكم الإنسان، عن التعبير عن مشاعر الود الصادقة المخلصة التي أحملها لكم.
وسأظل – بحول الله وقوته – في حياتي المقبلة – إذا كان في العمر بقية-على المبدأ الذي نشأت عليه محبة وإخلاصاً لكم وللوطن.. سواء كنت في العمل أو خارجه.
أسأل الله أن يحفظكم ويمد في عمركم، ويسبغ عليكم نعمة الصحة والتوفيق.
وكان الرد على الخطاب قرارا بترقيته وترفيعه بصدور الامر الملكي بتاريخ 3 / 33 / 1410 هـ بتعيينه مستشارا خاصا بالديوان الملكي بمرتبة وزير ليودع بذلك العمل الإداري في الوزارة، ويتفرغ بشكل أكبر من ذي قبل لخدمة الوطن والملك من خلال الرأي والمشورة، وظل في معيته مستشارا خاصا.
محطات مهنية
وأورد الكتاب أنه تلقى مراحل التعليم العام في مدينة الرياض، واختبر في مدرسة تحضير البعثات في مكة المكرمة، ثم أُبتعث إلى مصر وتخرج عام 1952م، من كلية الآداب بجامعة القاهرة ثم درس اللغة الإنجليزية والعلاقات الإنسانية في جامعة كولومبيا بنيويورك وجامعة فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويستعرض الكتاب أهم المحطات المهنية للراحل والتي تضمنت تعيينه وزيراُ للإعلام في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، وتعيينه وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، ثم تعيينه مسشاراً بالديوان الملكي في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز.
رصد توثيقي
ولد الشيخ العنقري في ثرمداء عام 1929م وتوفي فجر الاثنين 14 يناير 2008م، في مدينة جنيف عاصمة سويسرا عن عمر يناهز 80 سنة.
وأشارت مقدمة الإصدار التي كتبها «الأمين العام لمؤسسة إبراهيم بن عبدالله العنقري وذريته الخيرية» مازن بن إبراهيم العنقري، إلى ان الباعث وراء إصدار هذا الكتاب لم يكن مجرد الرغبة في أن يبر بأبيه، أو نظم قصائد المديح والرثاء، ولكن القصد منه هو بيان الأثر للعمل الدؤوب والتفاني الذي بذله معالي الشيخ إبراهيم العنقري في سبيل تحقيق تطلعات قادة هذه الدولة المباركة في حضور ثقافي وحضاري واجتماعي مميز بين أمم الأرض، وانه بعد رحيل الشيخ العنقري اجتمع عدد من أصدقائه الأوفياء في منزله داعين لتوثيق سيرته في كتاب يجمع بين دفتيه مسيرته الزاخرة، ووقال أن هذه الخطوة تمت بعد اسنادها لفريق مختص يراعي الأخذ بالمنهجية العلمية والموضوعية في تناول سيرته، بحيث تشمل رصداً توثيقياً لمراحل التطور الإداري الذي شهدته المملكة العربية السعودية في المرافق التي تولى الفقيد إدارتها، امتدادا لجهود من سبقوه من وزراء أرسوا دعائم تلك الوزارات وأسهموا في تطويرها ونموها بما يوفر قدراً كبيراً وثرياً من المعلومات التوثيقية في ثنايا هذه السيرة ضمن سياق التاريخ الوطني.