“جسر للتقارب الحضاري”.. تفاصيل جلسات ملتقى الترجمة الدولي 2025
واصل ملتقى الترجمة الدولي 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار “من السعودية نترجم المستقبل”، جلساته في يومه الثالث بالعاصمة الرياض، مستعرضًا تجارب عالمية ومحلية في التحولات الثقافية والإبداعية للترجمة بين اللغات والثقافات، من خلال ثلاث جلسات نوعية تناولت الترجمة بوصفها ممارسة ثقافية وإنسانية وجسرًا للتقارب الحضاري.
استعرضت الجلسة الأولى بعنوان “التحولات الثقافية في الترجمة: قراءة في التجربة السعودية الصينية” أبعاد التبادل الثقافي بين المملكتين ودور الترجمة في بناء جسور المعرفة وتعزيز التواصل الإنساني، بمشاركة الدكتورة نجاح سليمان الأستاذة في جامعة عين شمس والمتخصصة في دراسات الترجمة والمقارنة الأدبية، فيما أدار الحوار رشيد الجبرين من وزارة الثقافة، وسط حضور لافت من الباحثين والمترجمين والأكاديميين والمهتمين بالدراسات اللغوية والثقافية.
وأشارت الدكتورة نجاح سليمان إلى أن البرنامج الثقافي السعودي الصيني العام الذي أطلقته وزارة الثقافة يُعد من أبرز المبادرات التي تهدف إلى توطيد العلاقات الثقافية بين البلدين، عبر مشاريع ومبادرات متنوعة تشمل الترجمة والنشر والفنون وتبادل الخبرات الأكاديمية والمهنية.
التجربة السعودية الصينية
وأكدت سليمان أن الترجمة اليوم أصبحت ممارسة ثقافية تسهم في تشكيل الوعي الجمعي وبناء الصورة الحضارية للشعوب، وأن التجربة السعودية الصينية تمثل نموذجًا متقدمًا للتعاون المعرفي المبني على الاحترام والتفاعل المتبادل بين الثقافتين.
وبيّنت أن تنامي الاهتمام السعودي بالترجمة من الصينية وإليها يعكس التحول الاستراتيجي الذي تشهده المملكة في تعزيز حضورها الثقافي عالميًا، من خلال مبادرات ومشاريع ترجمة واسعة النطاق أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، أسهمت في إثراء المكتبة العربية بمؤلفات صينية متنوعة في الفلسفة والعلوم والتاريخ والأدب، مقابل اهتمام متزايد في الصين بترجمة الأدب السعودي الحديث ودراسة ملامحه الفكرية والإنسانية.
وأكدت الجلسة أن الترجمة تُعد جسرًا حيويًا للتقارب بين اللغات والثقافات، عبر مشاريع مشتركة تجمع المترجمين السعوديين والصينيين في مجالات أدبية وثقافية متنوعة، تعكس عمق الروابط الإنسانية بين البلدين.
الأدب السعودي الحديث
كما استعرضت الجلسة نماذج من الترجمات المتبادلة بين اللغتين العربية والصينية، شملت نقل روائع الأدب الصيني الكلاسيكي إلى العربية، وترجمة الأدب السعودي الحديث إلى الصينية، بما يسهم في توسيع آفاق التبادل المعرفي وتعزيز الحضور الثقافي المتبادل.
وشهدت الجلسة نقاشًا تفاعليًا بين الحضور حول تحديات ترجمة الأدب العربي إلى الصينية والعكس، وسبل تطوير برامج التدريب والتأهيل للمترجمين، وتعزيز حضور الترجمات السعودية في الأسواق الآسيوية من خلال الشراكات مع دور النشر الصينية الكبرى.
وأكد المشاركون أن العلاقة الثقافية بين السعودية والصين شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة برؤية المملكة 2030 التي أولت الثقافة والترجمة مكانة محورية في تعزيز التواصل الحضاري والانفتاح المعرفي، بوصف الترجمة أداة استراتيجية في مدّ جسور التفاهم بين الشعوب، ودعامة رئيسة في نقل الخبرات وتوسيع التعاون الأكاديمي والثقافي بين البلدين.
فنون التراجم الأدبية
وشهدت الجلسة الثانية بعنوان “فنون التراجم الأدبية: أحاسيس اللغة ولغة الأحاسيس” حضورًا واسعًا من المترجمين والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي، بمشاركة المترجم والأديب محمد آيت حنا، والدكتور سلفادور بينيا من جامعة ملقا الإسبانية، والدكتور إبراهيم الفريح من جامعة الملك سعود، وأدارت الحوار الأستاذة نسيبة القصار من مكتبة الكويت الوطنية.
تناولت الجلسة الأبعاد الجمالية والإبداعية في ترجمة النصوص الأدبية بين اللغات والثقافات المختلفة، مبينة أن الترجمة الأدبية لم تعد تقتصر على النقل الحرفي كما في الماضي، بل أصبحت تعكس فهمًا أعمق للنص ومعانيه الثقافية والوجدانية، وأن المترجم بات شريكًا في الإبداع، ينقل الإحساس والجوهر الثقافي للنص الأصلي، في عملية تتطلب حسًّا لغويًا وثقافيًا رفيعًا وقدرة على الموازنة بين الأمانة والإبداع.
وأكدت الجلسة أن الترجمة الأدبية تُعد من أهم الجسور التي تربط بين الحضارات وتسهم في تعزيز التفاهم الثقافي والتقارب الإنساني، مشددة على ضرورة الاستثمار في تأهيل المترجمين وصقل مهاراتهم بما يعزز صناعة الترجمة في المملكة والعالم العربي، ويمكّنهم من الإسهام في نقل المعارف والآداب العالمية بصورة احترافية.
وأكد المشاركون أن الإبداع في الترجمة لا يعني تجاوز النص الأصلي، وإنما التعامل معه بروح فنية تحقق التوازن بين الأمانة والدقة من جهة، والجمال والأسلوب من جهة أخرى، لافتين إلى أن المترجم الأدبي يؤدي دورًا إبداعيًا لا يقل عن المؤلف في إعادة صياغة التجربة الفنية بلغة جديدة تراعي خصوصية الثقافات واختلاف البيئات الإبداعية.
الضحك بلغة أخرى
وفي الجلسة الثالثة بعنوان “الضحك بلغة أخرى: ترجمة الكوميديا بين الثقافات”، ناقش المشاركون الأبعاد الثقافية واللغوية لترجمة الكوميديا والتحديات التي تواجه نقل روح الدعابة بين الشعوب مع الحفاظ على المعنى والتأثير الأصلي للنص، بمشاركة الدكتورة عبير القحطاني من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتورة سارة راموسبينتو من جامعة ليدز البريطانية، فيما أدارت الحوار الدكتورة عبير الفيفي من جامعة الملك عبدالعزيز، وسط حضور متنوع من المترجمين والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي واللغوي.
وبيّنت الجلسة أن ترجمة الكوميديا تُعد من أكثر فروع الترجمة تعقيدًا، نظراً لاعتمادها الكبير على الفروق الثقافية والسياقات الاجتماعية التي قد لا يكون لها مقابل مباشر في اللغة الهدف، مؤكدة أن الفكاهة ليست عنصراً لغويًا فقط، بل انعكاسًا لثقافة المجتمع وتصوراته وقيمه.
وأوضحت أن المترجم الكوميدي يواجه تحديًا مزدوجًا يتمثل في الحفاظ على المعنى من جهة، ونقل الأثر النفسي والإيقاع الإبداعي للنص من جهة أخرى، ما يتطلب وعيًا عميقًا بالبيئة الثقافية للنص الأصلي والجمهور المستهدف لضمان نجاح عملية النقل دون فقدان الروح الساخرة أو الطابع المحلي للنص.
وأكد ملتقى الترجمة الدولي 2025 من خلال هذه الجلسات أن الترجمة ليست مجرد عملية لغوية، بل مشروع حضاري شامل يسهم في بناء الوعي الثقافي وترسيخ التواصل الإنساني بين الشعوب، ويعزز موقع المملكة مركزًا معرفيًا عالميًا رائدًا في تطوير صناعة الترجمة والتواصل الثقافي الدولي، بما يواكب التحولات التقنية والثقافية ويترجم مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد معرفي منفتح على العالم.
جدة 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.
