40 جلسة حوارية.. الفلسفة تجمع الشرق والغرب بختام مؤتمر الرياض الدولي

اختتمت هيئة الأدب والنشر والترجمة النسخة الخامسة من مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025، الذي أُقيم على مدى ثلاثة أيام في مكتبة الملك فهد الوطنية تحت شعار “الفلسفة بين الشرق والغرب: المفاهيم، والأصول، والتأثيرات المتبادلة”، بحضور واسع لنخبة من المفكرين والباحثين والمهتمين بالشأن الفلسفي من داخل المملكة وخارجها، في تظاهرة معرفية جسّدت تصاعد الحضور الفلسفي في المشهد الثقافي السعودي.

وشكّل المؤتمر مساحة فكرية ثرية ناقشت قضايا الفلسفة المعاصرة وجذورها التاريخية، حيث شهد اليوم الأول طرحًا مكثفًا حول طبيعة التفلسف في الشرق والغرب، ومفاهيم الوجود والمحاكاة والمسافة الفلسفية وأثرها في تشكيل المعنى وتطور المدارس الفكرية، إضافة إلى استعراض جذور التفلسف الأولى في الحضارات القديمة والفكر اليوناني والتراث الشرقي، بوصف سؤال “الأصل” مفتاحًا أساسيًا لفهم تشكّل المفاهيم الفلسفية عبر العصور.

وفي امتداد لمحاوره الفكرية، تناول المؤتمر العلاقة بين الفلسفة والمطلق والأخلاق، والتحولات التي فرضها الفكر المعاصر، والحاجة إلى إعادة جمع الفلسفة ضمن إطار معرفي موحد يعيد لها قدرتها على قراءة الواقع وتحليل تعقيداته.

كما ناقشت الجلسات ماهية التفلسف بوجهيه النظري والعملي، وأهمية الأدوات المنهجية في إنتاج المفاهيم، إلى جانب مستقبل تعليم الفلسفة في العالم العربي ودورها المحوري في تنمية مهارات التفكير النقدي.

الفلسفات الشرقية واليونانية

أما اليوم الثاني، فقد خُصص لمسارات التداخل بين الفلسفات الشرقية واليونانية، وعودة الاهتمام بالفكر الشرقي منذ سبعينيات القرن الماضي، مع استعراض أثر ابن سينا والحوار القرآني كنموذج فلسفي في بناء المعنى ومنطق الحجة. كما ناقش المشاركون نظرية الفعل التواصلي، ومفاهيم العدالة والاحترام في الحوار، وأثر اللغة العربية في تشكيل المفهوم الفلسفي وقدرتها على استيعاب المصطلحات وتنظيم الخطاب الحِجَاجي.

وفي اليوم الختامي، اتجه النقاش نحو التفاعلات الفلسفية في العصور الحديثة وتحولات المشهد الفلسفي المعاصر، من خلال جلسات تناولت الجيوفلسفة، وبناء الجسور المعرفية بين الثقافات، وفلسفة أدب الطفل، ومستقبل الجمال.

واستضاف المؤتمر المفكر العالمي الدكتور جون أرمسترونغ في جلسة ناقشت التحولات الجمالية باعتبارها أحد المحركات الكبرى للفكر الإنساني المعاصر، إلى جانب جلسات تناولت التعايش الفكري واللغة المشتركة بين المدارس الفلسفية المختلفة.

الحوار الفكري والمقاربات النقدية

وشهد المؤتمر على امتداد أيامه الثلاث سلسلة من المناظرات الفلسفية التي شارك فيها طلاب وطالبات الجامعات السعودية، قدّموا خلالها نماذج لافتة في الحوار الفكري والمقاربات النقدية.

واختُتمت بمنافسة نهائية تُوِّج فيها الفريق الفائز، ونال تكريمًا من الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز الواصل، في مشهد يعكس دعم الهيئة للطاقات الشابة وتمكينها في الحقول المعرفية.

كما ضم البرنامج المصاحب عددًا من ورش العمل التي ناقشت الحِجاج الفلسفي، والتحديات المعرفية الحديثة، وطرائق استلهام التراث الفلسفي في بناء رؤى فكرية معاصرة، بما أسهم في نقل الفلسفة من إطارها النظري إلى فضاء الممارسة والتطبيق.

رؤية السعودية 2030

وتميّزت النسخة الخامسة بمشاركة أكثر من 60 متحدثًا من فلاسفة وباحثين ومفكرين من مختلف دول العالم، إضافة إلى أكثر من 40 جلسة حوارية متخصصة، واستقبال ما يزيد على 7000 زائر، في مؤشر يعكس تنامي الاهتمام بالفلسفة والعلوم الإنسانية في المملكة.

واختُتمت أعمال المؤتمر بإشادة واسعة بالمحتوى العلمي وعمق النقاشات التي شهدتها منصاته المختلفة، مؤكدة مكانته بوصفه منصة فلسفية عالمية تسهم في تعزيز صناعة الوعي، وترسّخ دور المملكة في قيادة المشهد الفكري والثقافي إقليميًا ودوليًا، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في دعم المعرفة وبناء الإنسان.